سورة الحشر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال المفسرون: نزلت هذه السورة في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فصالحته بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه فَقَبِل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما غزا أحدًا وهُزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبًا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشًا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد الحرام، وأخذ بعضهم على بعض الميثاقَ بين الأستار والكعبة، ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة- ذكرناه في سورة آل عمران.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين أتاهم في دية المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في مُنْصَرَفِه من بئر معونة، فهمُّوا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك- ذكرناه في سورة المائدة.
فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية يقال لها زهرة فلما سار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف فقالوا: يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية؟ قال: نعم قالوا: ذرنا نبكي شجونًا ثم ائتَمِر أمرك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجوا من المدينة فقالوا: الموت أقرب إلينا من ذلك فتنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال ودس المنافقون- عبد الله بن أبي وأصحَابُه- إليهم: أن لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم. فدرِّبوا على الأزقة وحصِّنوها ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا إليه: أن اخرْج في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان بيننا وبينك فيستمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرًا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا إليه: كيف نفهم ونحن ستون رجلا؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيستمعوا منك فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فسارّه بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فقبلوا ذلك، فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلَّت الإبل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح، وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم.
وقال ابن عباس: على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم، ولنبي الله صلى الله عليه وسلم ما بقي.
وقال الضحاك: أعطي كل ثلاثة نفر بعيرًا وسقاة ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة فذلك قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}.


{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني بني النضير {مِنْ دِيَارِهِمْ} التي كانت بيثرب، قال ابن إسحاق: كان إجلاء بني النضير بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وفتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان. {لأوَّلِ الْحَشْرِ} قال الزهري: كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا.
قال ابن عباس: من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فكان هذا أول حشر إلى الشام قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجوا قالوا إلى أين قال: إلى أرض المحشر، ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام.
وقال الكلبي: إنما قال: {لأول الحشر} لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الكتاب من جزيرة العرب، ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال مرة الهمداني: كان أول الحشر من المدينة، والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحاء من الشام في أيام عمر.
وقال قتادة: كان هذا أول الحشر، والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا.
{مَا ظَنَنْتُمْ} أيها المؤمنون {أَنْ يَخْرُجُوا} المدينة لعزتهم ومنعتهم، وذلك أنهم كانوا أهل حصون وعقار ونخيل كثيرة. {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ} أي أمر الله وعذابه {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بقتل سيدهم كعب بن الأشرف. {يُخْرِبُونَ} قرأ أبو عمرو: بالتشديد والآخرون بالتخفيف ومعناهما واحد {بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} قال الزهري: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالحهم على أن لهم ما أقلَّت الإبل كانوا ينظرون إلى الخشب في منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يستحسنونه فيحملونه على إبلهم، ويخرب المؤمنون باقيها قال ابن زيد: كانوا يقلعون العُمُد وينقضون السقوف وينقبون الجدران ويقلعون الخشب حتى الأوتاد يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدًا منهم وبغضًا. قال قتادة: كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ويخربها اليهود من داخلها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها لتتسع لهم المقاتل، وجعل أعداء الله ينقبون دورهم في أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرون ما يليهم، ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله عز وجل: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا} فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم {يَا أُولِي الأبْصَارِ} يا ذوي العقول والبصائر.


{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} الخروج من الوطن {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5